تعتبر الغدة الدرقية إحدى أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان ، وذٰلك لتأثيرها على الكثير من وظائف الأعضاء وعمليات الأيض ، والتي تعتبر من الغدد الصماء حيث أنها تفرز الهرمونات الدرقية اللازمة لسير عمليات الأيض Metabolism - عمليات البناء والهدم - داخل الجسم وعمليات الاستقرار الداخلي Homeostasis.

في البداية دعنى أعطيك لمحة تشريحية سريعة عن الغدة الدرقية ، هناك غدة في أسفل عنقك على شكل الفراشة بلون أحمر بني معانقة الوجه الأمامي للقصبة الهوائية وتدعى الدرق ، تتوضع الغدة الدرقية في مقدمة العنق على امتداد الفقرات الرقبية والصدرية بدءاً من الرقبية الخامسة وحتى الصدرية الأولى بطول 12 : 15 ملم ، وتتكون من فصين - فص في كل جهة - يوصل بينهما جزء يدعى البرزخ Thyroid Isthmus والذي قد يغيب في بعض الأحيان ليتواجد الفصان مفصولين عن بعضهما البعض ، أيضاً قد يتواجد في بعض الأحيان بروز إضافي على البرزخ يتجه نحو الأعلى معطياً شكل فصاً إضافياً يدعى بالفص الهرمي ، و الجدير بالذكر أن موقع الدرق في العنق يجعلها على تلامس مع العديد من الأعضاء الهامة من الأوعية الدموية و الغدد جارات الدرق Parathyroid Glands التي تلتصق على وجهها الخلفي و بالطبع القصبة الهوائية وأيضاً تقع بالقرب من الأعصاب المسؤولة عن إنتاج الصوت مما يجعل موقعها حساساً نوعا ماً.

تتكون الغدة الدرقية نسيجياً من فصوص تنكون بدورها من حويصلات تشكل البنية الأساسية لنسيج الدرق ،أيضاً لهذه الحويصلات جدار مكون من صف واحد من الخلايا التي تحيط بجوف مملوء بسائل يدعى السائل الغرواني Colloid ، وهو سائل يحوي بروتيناً سكرياً مضافا إليه اليود يدعى تيروجلوبولين Thyroglobulin والذي يساهم بدوره في تكوين الهرمونات التي تنتجها هذه الغدة ، تحيط بهذه الحويصلات شبكة كثيفة جداً من الشعريات الدموية والأوعية اللمفية والأعصاب ، بالإضافة لتجمعات من خلايا بين الحويصلات تدعى بالخلايا C تفرز هرموناً ستعرفه في السطور القادمة .

لعلك لا يمكنك أن تتخيل أهمية وظيفة الدرق إلا إذا ما ذكرت لك دورها الرئيسي في تطور الكائنات الحية ، تشير الدراسات إلى أن لليود الموجود في هرمونات الدرق الدور في إستمرار تطور الكائنات التي تعيش على اليابسة ، بشكل آخر فهو يتدخل في تحول البرمائيات من خلال تحويل الشراغيف المائية إلى ضفادع بالغة تعيش على اليابسة مع قدرة عصبية وبصرية وشمية أكبر تساعدها على الصيد ، هذا الأمر ذاته ينعكس على تطور الدماغ البشري ، وهذا ما ستراه في السطور القادمة.

تقوم الدرق بشكل رئيسي بإفراز نوعين من الهرمونات من الحويصلات الدرقية و هما التيروكسين Trioxin - T4 والترييودوتيرونين Triiodothyronine -T3 المسؤولان بشكل رئيسي عن تنظيم عمليات الإيض Metabolism  - البناء والهدم - والتنفس الداخلى واستهلاك الطاقة والنمو وتطور الأنسجة ، كما تفرز في الوقت نفسه هرموناً آخر من الخلايا C هو الكالسيتونين Calcitonin.

والجدير بالذكر أن اليود يشكل مكوناً أساسياً للهرمونين الأولين ، حيث تصطاده خلايا الغدة الدرقية من مجرى الدم وتقوم في الوقت ذاته بإنتاج بروتين سكري يدعى الجلوبولين  Globulin لتربطه مع اليود وتختزنه في السائل الغرواني Colloid وتكفي هذه الهرمونات المختزنة في الحويصلات لمدة 2 : 3 شهور حيث تفرزها مباشرة إلى الدم . تمارس هاتين المادتين فعلهما على خلايا الجسم من خلال زيادة الفعالية الأيضية لكل الأنسجة تقريباً ، أيضاً تسريع إستهلاك الطعام لتوليد الطاقة . فيتمحور تأثيرهما في ضوء ذلك معظم الأنسجة في الجسم مثل :-

يظهر تأثير الهرمون الدرقي بشكل كبير عند الأطفال خلال نموهم ، حيث ينخفض نمو الأطفال المصابين بقصور الدرق بشكل كبير و ملحوظ ، بينما يحدث نمو هيكلي مفرط لدى مفرطي الدرق مما يجعلهم أطول بكثير من أقرانهم في نفس السن وهذا الأمر لأبد قد لاحظته من قبل في الأطفال ، ولكن في الوقت نفسه يتسرع نمو العظام لتنغلق مشاشاتها أو الكردوس Epiphysis - الجزء النامي من العظم - باكرا فتقصر بذلك مدة النمو الكلي وتؤدي في النهاية إلى قصر البالغ ، إلا أن تأثيرها الأساسي يتمحور في الدماغ سواء خلال الحياة الجنينية قبل الولادة أو خلال السنوات الأولى من العمر، فإذا لم يفرز الجنين كميات كافية من الهرمونات الدرقية سينعكس ذلك سلبا على نمو الدماغ ، وإذا لم يعالج باكراً فسيبقى ناقص القدرات العقلية طيلة حياتة.

وزن الجسم يتأثر بالدرق حيث إن زيادة هرمونات الدرق تنقص من وزن الجسم  و تزيد الشهية في الوقت  ذاته.

الدرق والجهاز القلبي الوعائي حيث تؤدي زيادة الهرمونات الدرقية إلى زيادة سرعة القلب وشدة ضرباته.

يزيد الهرمون الدرقي من سرعة النشاط الفكري ولكنه فى الغالب ما يؤدي إلى زيادة تشتت الانتباه أيضاً ، وتؤدي زيادة الدرق إلى العصبية الشديدة ، كما يصاب بالتعب المستمر ، ولكن بسبب التنبيه الزائد يصاب المريض بالأرق أيضا فلا يستطيع النوم.

لكي تكون الوظائف الجنسية سليمة لا بد للدرق أن تكون سوية بالطبع ، حيث يسبب نقص هرمون الدرق فقدان الرغبة الجنسية ، كما من الممكن أيضا لزيادته المفرطة أن تسبب ضعف الانتصاب ، أما لدى النساء فإن إضطرابات الهرمونات الدرقية تنعكس بالسلب على الدورة الشهرية التي قد تتظاهر بغزارة الطمث أو تعدد الطموث أو عدم انتظامها.

وعلى جانب آخر يساهم هرمون الكالسيتونين في المحافظة على توازن الكالسيوم والفوسفور في الجسم، وذلك عن طريق تثبيت الكالسيوم داخل النسيج العظمي مساعداً للفيتامين D ، وقد يؤدي نقص الكالستونين إلى الكساح وهشاشة العظام.